وزير الزراعة يدعو إلى العمل المشترك لتطوير أداة تمويل زراعي متعددة الأطراف
رام الله 28-5-2025 وفا- عقدت مجموعة عمل التمويل الزراعي، اليوم الأربعاء، اجتماعها الثاني ضمن المنصة الفلسطينية- الأوروبية للاستثمار، في رام الله، وعبر الفضاء الافتراضي، تحت عنوان: "زراعة التغيير من أجل مستقبل أفضل".
وترأس الاجتماع، وزير الزراعة رزق سليمية، بمشاركة رئيس التعاون في الاتحاد الأوروبي إبراهيم العافية، وحضور ممثلين عن عدد من المؤسسات الدولية والرسمية ومؤسسات القطاع الخاص الفلسطيني.
وتخلل الاجتماع، توقيع اتفاقية إطلاق مشروع شمول التمويل الريفي في فلسطين (RUFIPP) بين الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD) والحكومة الفلسطينية، بدعم من الاتحاد الأوروبي وإسبانيا.
وفي كلمته، شكر سليمية بالنيابة عن الحكومة الفلسطينية، الاتحاد الأوروبي وجميع الشركاء "الذين يواصلون الاستثمار، ليس فقط في المشاريع، بل في السلام، والأمل، والكرامة، ومستقبل أفضل لشعبنا".
وقال وزير الزراعة: "في الوقت الذي نجتمع فيه اليوم، تمر فلسطين بإحدى أصعب اللحظات الاقتصادية والإنسانية. فالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تسببت في دمار كارثي في الأرواح وسبل العيش والبنية التحتية"، مشيرا إلى أن "الزراعة والنظم الغذائية تكبدتا خسائر اقتصادية تفوق 1.4 مليار دولار أميركي، منها حوالي مليار دولار في أضرار البنية التحتية، حسب تقديرات البنك الدولي الأخيرة. والبطالة مرتفعة جدًا، وقد بلغت 90% في غزة وحوالي 35% في الضفة الغربية، وفقدت العديد من الأسر مصادر دخلها، وانهارت سبل العيش، ويسود انعدام الأمن الغذائي (بل المجاعة في غزة)".
ولفت إلى صمود القطاع الزراعي رغم الظروف الراهنة، وصمود المزارعين في أراضيهم ومواصلتهم العمل على إنتاج الغذاء لدعم مجتمعاتهم، مؤكدا أهمية الزراعة، ليس فقط في الإنتاج الغذائي والاقتصاد، بل أيضًا كعامل استقرار اجتماعي، ومصدر كرامة، وركيزة من ركائز الصمود الوطني.
وبين أنه استجابةً للأزمات المتشابكة المتمثلة في الاحتلال وتغير المناخ والانهيار الاقتصادي، وبناءً على تفويض حكومي، فرد أطلقت وزارة الزراعة رؤية وطنية جريئة ومتكاملة بعنوان: مبادرة "بذور التغيير".
وتتضمن هذه المبادرة خمس ركائز إستراتيجية، بحسب الوزير سليمية، وهي: تعزيز الأمن الغذائي: من خلال زيادة الإنتاج المحلي للسلع الإستراتيجية (الأعلاف، والمحاصيل الحقلية، والألبان، واللحوم الحمراء)، عبر تمكين صغار المزارعين وتوسيع الممارسات الجيدة، وتطوير الري المستدام: من خلال توسيع البنية التحتية للري، وتحسين كفاءة استخدام المياه، واستغلال المصادر التقليدية وغير التقليدية، وإحياء البيئة الزراعية: عبر استصلاح الأراضي، وتأهيل المراعي، والاستثمار في البنية التحتية الريفية من أجل التوازن البيئي طويل الأمد.
كما تتضمن المبادرة، استجابة زراعية عاجلة بتوفير دعم فوري للمزارعين المتضررين من الصدمات المناخية، وعنف المستعمرين، والظروف الطارئة المستمرة، بالإضافة إلى الإغاثة والتعافي في غزة مع التركيز على إعادة تأهيل القطاع الزراعي المدمر في القطاع، بناءً على تقييم شامل للأضرار واستجابة منسقة.
وأكد وزير الزراعة أن هذه المبادرة ليست مجرد وثيقة سياسات، بل دعوة جماعية إلى العمل، داعيا جميع الشركاء إلى مواءمة جهودها مع هذا الإطار الوطني.
وأوضح سليمية أنه على الرغم من أهمية القطاع الزراعي الفلسطيني فإنه لا يزال يعاني ضعف التمويل، مبينا أن 1.7% فقط من القروض المصرفية تذهب إلى الزراعة، إذ ترى المؤسسات المالية أن هذا القطاع عالي المخاطر بسبب التقلبات المناخية، وتجزئة الحيازات الصغيرة، والظروف السياسية غير المستقرة.
وأضاف أن "التمويل التقليدي لن يطلق العنان لإمكاناتنا. يجب أن نتحول إلى حلول تمويل مختلطة (Blended Finance)، تجمع بين رأس المال العام والخاص والميسر".
وتابع: "نحن نؤمن بضرورة تغيير هذا النموذج، من خلال الجمع بين المنح من المانحين، والقروض من البنوك ومؤسسات التمويل الصغير والاستثمارات الخاصة. وهذا ما نطمح إليه من صندوق التمويل المختلط".
وأكد "ضرورة أن تتماشى هذه الأدوات المالية مع ثقافتنا. فالعديد من المزارعين يفضلون التمويل الإسلامي، مثل: المرابحة أو القرض الحسن. ويجب أن تميز هذه الأدوات بين المزارعين الصغار، والحيازات الصغيرة الانتقالية، والرياديين الزراعيين. هدفنا ليس مجرد شمول مالي، بل الارتقاء والصمود والتوسع".
وتطرق إلى التزام الوزارة بتعزيز دور المؤسسة الفلسطينية للإقراض الزراعي، لتصبح جهة تمويل وسيطة أكثر ديناميكية وفعالية، إلى جانب تطوير التأمين الزراعي كعنصر أساسي في منظومة التمويل الزراعي، "لأنه يمثل أداة لتحويل المخاطر، وركيزة للصمود، وبوابة للائتمان، وإشارة واضحة إلى المستثمرين أننا نبني مستقبلًا مستدامًا".
ودعا إلى تصميم منتجات تأمين زراعي ميسورة وشاملة وتنفيذها، وتوسيع النماذج المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، لا سيما التكافل، للوصول إلى المجتمعات الزراعية الريفية، وبناء القدرات المؤسسية لدى البنوك ومؤسسات التمويل الصغيرة والتعاونيات، وإطلاق حملات توعية وتدريب للمزارعين على فوائد التأمين الزراعي وآلياته، مشيرا إلى أن تكامل التأمين الزراعي مع القروض والمنح، يخلق حلقة تنموية متكاملة، ويحمي المزارعين، ويقلل مخاطر الإقراض، ويوسع نطاق الشمول المالي.
وأكد سليمية أنه "حان الوقت للانتقال من التجارب المجزأة إلى منظومة تمويل زراعي شاملة وقابلة للتوسع"، داعيا إلى العمل المشترك على تطوير أداة تمويل زراعي متعددة الأطراف، تتماشى مع أولوياتنا الوطنية، وتقدم منتجات مخصصة للنساء، والشباب، والتعاونيات، ورواد التكنولوجيا الزراعية، والمزارعين الصغار.
وقال: "لقد أظهر المزارعون الفلسطينيون صمودًا لا مثيل له في وجه الاحتلال، وأزمة المناخ، والحصار الاقتصادي. لكن الصمود ليس كافيًا. إنهم يستحقون الاستثمار، ويستحقون الدمج، ويستحقون نظامًا يخدمهم لا يعيقهم. دعونا نجعل من هذه المنصة مساحة للالتزامات الحقيقية لا الوعود. دعونا نزرع التغيير معًا من أجل مستقبل أفضل قوامه العدالة، والشراكة، والكرامة".
بدوره، قال العافية إنه يتطلع إلى فهم التحديات التي يواجهها قطاع الزراعة، ومدى حجمها وتأثيرها، وكيف يمكننا العمل معا على مواجهتها، وخلق بيئة أكثر ملاءمة للاستثمار، وهذه مهمة ليست سهلة، وتتطلب مشاركة الجميع ودعمهم، والاستفادة من الابتكار والتفكير بطريقة خلاقة لتجاوز التحديات والعوائق.
وأضاف، أنه تم إنشاء منصة الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي وفلسطين في ديسمبر 2020، لدعم تنفيذ خطة الاستثمار الخارجية للاتحاد الأوروبي في فلسطين، التي تهدف إلى تعزيز الحوار السياسي بين الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء والسلطة الفلسطينية، من أجل تنسيق الجهود وجذب الاستثمار وتبادل المعلومات بما يتماشى مع الأولويات السياسية الرئيسية.
وتابع، أنه في إطار هذه المنصة، فقد تم تأسيس ثلاث مجموعات عمل، وهي: مجموعة العمل المعنية بتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومجموعة العمل المعنية بالتمويل الزراعي، ومجموعة العمل المعنية بتمويل الطاقة، وتوفر هذه المجموعات نقاشات معمقة حول قطاعات محددة.
وأردف، أن وزارة الزراعة تقود مجموعة العمل المعنية بالتمويل الزراعي، التي تهدف إلى الربط المنهجي بين الاستثمارات والإصلاحات والسياسات الزراعية، بهدف تحسين مناخ الاستثمار في هذا القطاع، والوصول إلى فهم واضح لبنيته ومخاطره، والعوائق التي تعيق تقدمه، للتمكن من تسخير الأدوات المتاحة في إطلاق إمكانياته الكاملة.
ولفت إلى أن هذا الاجتماع يُعقد في وقت بالغ الصعوبة بالنسبة إلى فلسطين وشعبها، فقد شهد الاقتصاد الفلسطيني في عام 2024 تراجعا غير مسبوق بسبب الحرب الجارية في قطاع غزة، وما تبعه من دمار واسع، والوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب في الضفة الغربية، وقد تسبب ذلك في ضغوط كبيرة على القطاع الخاص، بما في ذلك المزارعون، الذين شهدوا انهيارا في النشاط الاقتصادي، وعلى القطاع المالي الذي يواجه ارتفاعا في القروض المتعثرة.
وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يملك مجموعة كبيرة من الأدوات لدعم القطاع الزراعي، إذ تهدف العديد من التدخلات الممولة من الاتحاد الأوروبي إلى تحسين الظروف المعيشية، وزيادة الصمود، واستعادة القدرة الإنتاجية لدى المزارعين الفلسطينيين. وبالتعاون مع الوزارة، يمكن تسريع الاستفادة من هذه الموارد.
وتضمن الاجتماع، عروضا وقصص نجاح ونقاش بمشاركة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو"، ومنظمة "أوكسفام"، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية "إيفاد"، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، والمؤسسة الفلسطينية للإقراض الزراعي، والشركة الأردنية الفلسطينية لتسويق المنتجات الزراعية، وسلطة النقد الفلسطينية، وهيئة سوق رأس المال، وعددا من البنوك وشركات التمويل والمؤسسات الزراعية.
ــــ
ع.ف