أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 30/04/2025 09:49 ص

عمال فلسطين.. بطالة قسرية وحواجز تحد من وصولهم إلى لقمة العيش

 

طوباس 30-4-2025 وفا- الحارث الحصني

قبل أن يشن الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كان عدوانه في الضفة الغربية، بما فيها القدس، يتصاعد يوما بعد يوم.

وبالتزامن مع الإبادة التي ما زالت متواصلة في القطاع، زادت حدة العدوان في الضفة، من اقتحامات يومية لمراكز المدن والبلدات والقرى ومخيمات اللاجئين، وما يرافقها من عمليات قتل واعتقال وتجريف وتدمير للمنازل والبنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة.

ورغم تركز العدوان الإسرائيلي بدرجة أكبر على محافظات جنين وطولكرم وطوباس والأغوار الشمالية ونابلس، إلا أنه طال جميع المحافظات، مترافقا مع اعتداءات غير مسبوقة للمستعمرين بحماية من جيش الاحتلال وبغطاء رسمي من حكومة الاحتلال، إلى جانب تقطيع أوصال الضفة بالحواجز العسكرية وإغلاق العديد من مداخل البلدات والقرى بالبوابات الحديدية.

أدت كل هذه الظروف إلى وصول طبقة العمال لمرحلة خطيرة، خاصة بعد فقدان عشرات الآلاف من العمال عملهم داخل أراضي الـ48، بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على وصول العمال إلى أماكن العمل.

المواطن سامي دراغمة، أحد هؤلاء العمال، يقول لـ"وفا" إنه كان يعمل داخل أراضي الـ48 ويتجاوز دخله الشهري 8 آلاف شيقل، إلا أنه بعد تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بات يعمل يوما أو يومين في الأسبوع.

ويشير التقرير السنوي لعام 2024 حول أوضاع العمال الفلسطينيين، الصادر عن الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، إلى أن حوالي 215 ألف عامل كانوا يعملون داخل أراضي الـ48، والغالبية العظمى منهم باتوا عاطلين عن العمل.

وبحسب التقرير، فقد أدى العدوان الإسرائيلي المتواصل على شعبنا، وما رافقه من تداعيات على المنشآت الاقتصادية والصناعية إلى نتائج سوداوية في واقع العمال، حيث ارتفعت نسبة البطالة، وبات نحو 507 آلاف عامل عاطلين عن العمل.

وتدور أحاديث بنبرة غير تفاؤلية في الوسط التجاري في السوق المحلية عن الارتدادات السلبية التي رافقت العدوان المستمر على قطاع غزة، والضفة الغربية. وبصورة أكثر شمولية، هذه الظروف التي فرضت على شريحة كبيرة من مواطني الضفة الغربية، يمكن التماس الارتدادات السلبية عليها، بناء على الحركة الشرائية في السوق المحلية.

عبد الله دراغمة، صاحب محل لبيع الألبسة في طوباس قال لـ"وفا": "كان العمال محركا أساسيا في السوق المحلية"، لافتا إلى أن تعطل العمال عن العمل انعكس على قدرتهم الشرائية، حتى خلال أيام عيد الفطر الماضي، الذي يشهد بالعادة انتعاشة بالأسواق.

وهذه الشهادة تتماشى بشكل دقيق مع الأرقام الرسمية الصادرة عن الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، التي تتحدث عن أن خسارة العمال داخل أراضي الـ 48 بسبب توقفهم عن العمل تقدّر بمليار و250 مليون شيقل شهريا.

وأوضح العامل سامي دراغمة: "هناك عمال كانوا يتقاضون قرابة 20 ألف شيقل شهرياً"، وبات الآن دخلهم صفرا، أو بالكاد يعملون بصورة متقطعة.

كل هذه الأرقام التي كانت نسبة كبيرة منها تضخ في السوق المحلية، قاد غيابها عن هذه السوق إلى شل حركة الاقتصاد بالضفة الغربية.

منذ فقدان عشرات الآلاف من العمال عملهم داخل أراضي الـ48، بدأوا بالبحث عن بدائل فى الضفة الغربية. لكن، تصاعد عدوان الاحتلال وانتهاكاته أحبط محاولات العديد منهم. أكثر من ألف حاجز، وبوابة عسكرية العشرات منها مغلق، قطعت الضفة الغربية، وعزلت محافظتها عن بعضها. وعلاوة على كل هذا، زادت حدة الاقتحامات اليومية التي يقوم بها الاحتلال لمراكز المدن، والقرى، والمخيمات.

المواطن باسم ضبابات، قال لـ"وفا": "بعد خسارة مهنتي في الداخل، اتجهت للعمل في الأغوار الشمالية (..)، لم أمكث طويلا وتركت العمل هناك".

لم يأت قراراً كهذا من فراغ. كان ضبابات يقطع أحيانا مسافة أكثر من مئة كيلومتر للوصول إلى مكان عمله. في الحقيقة، كان ذلك لا يحتاج في الوضع الطبيعي أكثر من ثلث ساعة، ومسافة 25 كيلومترا.

وضبابات مثل عشرات العمال الذين اصطدموا بحاجزي تياسير والحمرا العسكريين، واللذين يفصل بهما الاحتلال طوباس عن الأغوار الفلسطينية.

وبعمليات حسابية يجريها ضبابات، فإن تكلفة التنقل التي يجب أن يدفعها، أكثر من المردود الذي يخرج به من عمله في المزارع المنتشرة في الأغوار.

وفي تعمق أكثر، بسبب فقدان الوقت، قرر ضبابات ترك العمل في الأغوار الشمالية، المنطقة الجاذبة للأيدي العاملة.

ودفعت الظروف الصعبة للعمال والواقع الاقتصادي المتردي في الضفة، إلى محاولة بعضهم الوصول إلى مكان عمله داخل أراضي الـ48 بشتى الطرق.

وفي الأشهر الأخيرة، تعرض المئات من العمال الفلسطينيين للاعتقال والتنكيل من الشرطة الإسرائيلية، بذريعة عدم امتلاكهم تصاريح.

ووفقًا للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، فإن ما يقارب عشرة آلاف عامل فلسطيني تعرضوا للاعتقال والتحقيق والتنكيل من قبل الشرطة الإسرائيلية، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ فقد عدد من العمال حياتهم أثناء محاولتهم الوصول إلى أماكن عملهم داخل أراضي الـ48، أو نتيجة لعملهم في ظروف عمل تفتقر لأدنى مقومات السلامة المهنية.

وبحسب التقارير الصادرة عن الاتحاد العام، فقد استُشهد منذ بداية العام الجاري 15 عاملًا فلسطينيًا برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، أو أثناء الملاحقة داخل أراضي الـ48، أو بالسقوط عن جدار الفصل والتوسع العنصري، آخرهم العامل عرفات قادوس (53 عامًا) من قرية عراق بورين جنوب نابلس.

وبلغ عدد شهداء لقمة العيش خلال عام 2024، 56 عاملًا، منهم 25 في سوق العمل الفلسطيني بالضفة، و14 بأراضي عام 48، و13 أثناء محاولتهم الوصول إلى أماكن العمل، إما بالرصاص الحي أو بالسقوط عن جدار الفصل والتوسع العنصري.

وحتى قبل حرب الإبادة والعدوان الإسرائيلي، لم تكن ظروف العمال داخل أراضي الـ48 مثالية، حيث كان العمال الذين يحملون تصاريح يعانون لدى توجههم إلى أماكن عملهم، إذ يبدأ يومهم في ساعة مبكرة جدا قبل بزوغ الفجر، وينتظرون ساعات على حواجز الاحتلال العسكرية، ويخضعون فيها لعمليات تفتيش تنكيلية، قبل مواصلة طريقهم إلى مكان العمل، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة سماسرة العمل الذين يقتطعون مبالغ طائلة من القوت اليومي للعمال.

وناشد الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، منظمة العمل الدولية، وجميع الاتحادات والنقابات الدولية وهيئات حقوق الإنسان، بإيجاد حلول جذرية لحماية العمال من انتهاكات واعتداءات وملاحقات الاحتلال عند توجههم إلى أماكن عملهم داخل أراضي الـ48، إضافة إلى إجبار حكومة الاحتلال على تعويضهم ماليا عن فترة تعطلهم.

ــــ

/ع.ف

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا