غزة 6-5-2025 وفا- حسين نظير السنوار
أجبرت أيام الحرب الـ 550 المواطنين الجياع في قطاع غزة على اللجوء للبقوليات لطحنها واستخراج منها ما يشبه الدقيق لخبزه وسد بعضًا من جوعهم وجوع أطفالهم، بعد أن ضربت المجاعة كافة أركان القطاع ولم يعد الدقيق موجودًا بسبب إغلاق المعابر واتباع الاحتلال الإسرائيلي سياسة التجويع الجماعي.
فالجوع يصنع المستحيل ويجبر صاحبه على ابتكار أساليب جديدة لسده سواءً بالطرق المعروفة من طعام ومواد غذائية أو من خلال استخراج مادة جديدة كالدقيق من البقوليات والحبوب مثلًا لصناعة الخبز الذي يعتبر المكون الأساسي لأية وجبة طعام.
المواطن سهيل عابدين يقول لـ "وفا": بعد نفاد الدقيق والمعكرونة لدينا، وعدم مقدرتنا على شراء الدقيق لارتفاع أسعاره في الأسواق إن وجد، حيث وصل سعر الكيلو الواحد لـ 55-60 شيقلًا ولا يكفي لصناعة تسعة أو عشرة أرغفة، اتجهنا لطحن البقوليات كالعدس والفول وأحيانًا الحمص من أجل الحصول على دقيق البقوليات لنصنع منه الخبز.
ويضيف: كما أن الدقيق مقطوع وشحيح فأيضًا البقوليات قليلة في الأسواق وارتفع هي الأخرى سعرها، فأنا أعتمد على ما تبقى لدي من تلك البقوليات ولا أعلم ما أصنع بعدما تنتهي، فأنا لم يعد باستطاعتي شراء الدقيق ولا حتى المعكرونة والبقوليات لإطعام أطفالي السبعة، آملًا أن تفتح المعابر ويتم ضخ كميات من الدقيق لإنقاذ المواطنين من المجاعة التي يمرون بها قبل فوات الأوان.
بينما يقول المواطن إبراهيم حسان، "اتجهت لطحن الأرز والبقوليات معًا للحصول على دقيق علّي أجد قوت أطفالي اليومي في ظل المجاعة والعوز الذي يخيم على رأس كل المواطنين في القطاع.
ويضيف أن الهزل الذي خلفه الجوع بدى ظاهرًا بشكل جلي على أجساد المواطنين الذين يعانون ويلات الحرب.
ويشير إلى أن دقيق البقوليات يجبر المواطنين على خبزه بشكل يومي لأنه يجف وييبس ويصبح صعب المضغ في اليوم التالي، مضيفًا أن تناوله أيضًا يحدث انتفاخات في القولون العصبي بسبب احتواء البقوليات على الغازات التي تحدث انتفاخات في البطن والقولون خاصة، وأن المواطنين قد تشبعوا من كثرة تناولهم البقوليات والحبوب طوال الحرب سواءً كانت طازجة أو معلبة، وكل ذلك له تبعات على عدم تقبل الجسم لمثل هذه الأطعمة.
أما المواطن حازم عامر، فيقول: لقد لجأت إلى خبز الحبوب بعدما نفد الطحين من عندي، ولم أجد سواه فقمت بنقع العدس لعدة ساعات ومن ثم طحنته وخبزته، مشيرًا إلى أن كل أنواع الدقيق التي يحاول الناس التحايل عليها بالخبز لابد وأن تحتوي على ربع المقدار على الأقل من الدقيق العادي من أجل أن تتماسك وتصبح طرية إلى حد ما.
ويشير إلى أن هناك من يصنع دقيق البقوليات من خلال طحنها جافة ومن ثم تعجينها، متسائلًا: "إلى متى سنبقى هكذا نأكل أدنى وأردى أنواع الأكل، والعالم كله يشاهدنا ونحن نذل بسبب الاحتلال وممارساته، ولا يستطيع فعل أي شيء تجاهنا".
بينما يقول المواطن حسن أبو صبحي، صاحب مطحنة قهوة، "لقد لجأ الناس وانكبوا بشكل كبير على طحن البقوليات بأنواعها للحصول على الخبز"، مشيرًا إلى أنه "يقوم بطحن الكيلو غرام الواحد من البقوليات مقابل ثلاثة شواقل، وأنه بهذا العمل يحصل على قوت أولاده ويساهم في مساعدة المواطنين في الحصول على الخبز".
ويضيف: كثير من المواطنين يقومون بطحن البقوليات جافة وآخرين يقومون بنفعها بالماء ومن ثم طحنها بالخلاط أو بطحنها يدويًا في حال عدم تمكنهم من الدفع وزيادة التكاليف، خاصة وأن معظمهم يقوم بشراء تلك البقوليات التي تجاوز سعرها الـ 20-25 شيقلا للكيلو ويحتاج تقريبًا من 3-4 شواقل مقابل خبزه، وكل هذه التكاليف تعتبر إضافية على كاهل المواطن المنهك والفقير جراء الحرب، وفي النهاية يحصل مقابل كل كيلو من الدقيق على 9-10 أرغفة.
ويتابع: لقد اتجهت غالبية العائلات في القطاع إلى تقسيم الخبز بينهم من خلال حصول الشخص الواحد على رغيف يوميًا في أحسن الأحوال، وإن غالبية المواطنين يقومون بقسم الرغيف لشخصين بحيث يحصل الواحد على نصف رغيف يوميًا من أجل البقاء على قيد الحياة لا من أجل الشبع.
وذكرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أن أكثر من 66 ألف طفل في قطاع غزة يعانون سوء تغذية خطيرًا، جراء سياسة التجويع التي تواصل سلطات الاحتلال تنفيذها، بعد إغلاق المعابر، ومنع دخول المساعدات الإغاثية منذ أكثر من شهرين.
وأشار المتحدث الإعلامي باسم الأونروا عدنان أبو حسنة، في بيان له، إلى أن مئات الآلاف من الفلسطينيين يتناولون وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة، مضيفًا أنه منذ 2 آذار/مارس الماضي، أغلقت سلطات الاحتلال المعابر مع قطاع غزة أمام دخول المساعدات الغذائية والإغاثية والطبية والبضائع، ما تسبب في تدهور كبير في الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين، وفق ما أكدته تقارير حقوقية ودولية.
بينما حذرت مصادر طبية في قطاع غزة من تفاقم الأزمة الغذائية، خاصة مع تسجيل حالات إغماء وهزال حاد في صفوف الأطفال، نتيجة سوء التغذية ونقص الماء النظيف.
وأكدت المصادر ذاتها، أن سلطات الاحتلال تواصل منع إدخال حليب الأطفال، والمكملات الغذائية، وجميع أشكال المساعدات الإنسانية، ما أدى إلى وصول أكثر من 70 ألف طفل إلى المستشفيات، بسبب سوء التغذية الحاد.
وأضافت أن أكثر من 3 آلاف و500 طفل دون سن الخامسة يواجهون خطر الموت الوشيك جوعا، فيما يقف نحو 290 ألف طفل على حافة الهلاك، في وقت يفتقر فيه 1.1 مليون طفل يوميا إلى الحد الأدنى من الغذاء اللازم للبقاء على قيد الحياة.
وقالت المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي لبنى كنزلي، إن الوضع الإنساني في قطاع غزة بلغ مرحلة حرجة للغاية، مؤكدة أن مخزون البرنامج من المساعدات الغذائية قد نفد بالكامل وسط استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول الإمدادات الإنسانية.
وأشارت إلى أن نحو 700 ألف مواطن في غزة كانوا يحصلون يوميا على وجبات غذائية من البرنامج، إلا أن تعذّر إدخال المساعدات أدى إلى توقف هذا الدعم، في وقت تتكدس فيه شاحنات محمّلة بالإمدادات عند المعابر بانتظار السماح لها بالدخول.
وحذّرت من أن استمرار هذا الوضع ينذر بوقوع وفيات نتيجة سوء التغذية، مشيرةً إلى أن البرنامج تمكن خلال فترات وقف إطلاق النار من إدخال ما بين 30 -40 ألف طن من المساعدات القطاع.
بينما وصفت رئيسة شؤون الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود كلير نيكوليه، الأوضاع في غزة بأنها "كارثية على كافة المستويات نتيجة الحصار الإسرائيلي الذي يمنع دخول الإمدادات الإغاثية والطبية".
وأكدت، أن العالم يشاهد هذه الكارثة الإنسانية دون أن يتحرك لوقف ما وصفته بالوحشية العشوائية والمروعة، مضيفة أن الحظر الكامل المفروض منذ مطلع آذار/ مارس الماضي على دخول المساعدات إلى غزة يخلّف عواقب مميتة ويقوّض قدرة الطواقم الإنسانية والطبية على تقديم الاستجابة اللازمة.
وشددت نيكوليه على أن الاعتماد على المسارات القانونية، مثل إجراءات محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل كقوة احتلال، قد يستغرق وقتا لا يملكه الفلسطينيون، الذين يواجهون خطر الموت يوميا نتيجة الحصار، محذرة من تحول غزة إلى مقبرة جماعية.
وقالت إن إسرائيل تستخدم المساعدات كسلاح حرب ووسيلة للعقاب الجماعي، داعية دول العالم إلى ممارسة ضغط فعلي وفوري على سلطات الاحتلال لرفع الحصار والسماح بدخول المساعدات بشكل عاجل لتفادي المزيد من المعاناة والخسائر في الأرواح.
وأشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنساني "أوتشا" إلى أن عدد الأطفال الذين يتلقون العلاج من سوء التغذية ارتفع بنسبة 80% مقارنة بشهر آذار/ مارس الماضي، موضحا أن الأرقام تظهر أن 92% من الرضع بين 6 أشهر وسنتين لا يحصلون مع أمهاتهم على الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية الأساسية، ما يعرضهم لمخاطر صحية جسيمة ستلازمهم مدى حياتهم، كما لا يتمكن 65% من سكان القطاع من الحصول على مياه نظيفة للشرب أو الطبخ.
تُظهر بيانات الجهاز المركزي للإحصاء أن معدل البطالة في قطاع غزة وصل إلى 68%، فيما تؤكد تقديرات البنك الدولي أن 100% من سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر.
وتشير التقديرات إلى أن القطاع يواجه خطر المجاعة الشاملة في ظل الحصار الكامل المستمر منذ أشهر، خاصة بعد إغلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي المعابر منذ الثاني من آذار/ مارس الماضي حتى اليوم ومنعها دخول أية أنواع من الدقيق والمواد الغذائية الأساسية والوقود للقطاع.
ــــ
/ع.ف