بيت لحم 15-4-2025 وفا - وعد الكار
في الطرف الجنوبي من بلدة الخضر بمحافظة بيت لحم، تتراءى منطقة "أم ركبة" كلوحة ريفية غارقة في الهدوء الظاهري، لكن خلف هذا المشهد الساكن تُخفي الأرض وجعا مريرا وممتدا.
على سفوح التلال الخضراء المحاطة بأشجار العنب، تسكن عشرات العائلات الفلسطينية في حالة من القلق المستمر، تحت وطأة التهديد الإسرائيلي المتواصل بهدم منازلها والاستيلاء على أراضيها.
المنطقة، التي تعد من أبرز المواقع الزراعية والسكنية في الخضر، أصبحت هدفًا مباشرًا لمخططات استعمارية توسعية تسعى إلى ربط مستعمرة "إفرات" المقامة على أراضي المواطنين، بمرافق حيوية ومواقع أثرية، على حساب الوجود الفلسطيني.
وعلى مدار الأشهر الماضية، تسلم العديد من أهالي "أم ركبة" عشرات إخطارات الهدم، بزعم البناء غير المرخص في المناطق المصنفة (ج) وفق اتفاق أوسلو، وهي مناطق تسيطر عليها سلطات الاحتلال أمنيًا وإداريًا بشكل كامل.
هذه الإخطارات لا تحمل فقط تهديدًا بهدم الجدران، بل استقرار العائلات أيضا وتشريد الأطفال وكبار السن، وتحويل حياة الأهالي إلى معركة يومية للبقاء.
عائلة الصرفندي، واحدة من بين العائلات التي طالت منازلها الجرافات الإسرائيلية، فقبل نحو عشرة أيام، استيقظ الشاب إسلام الصرفندي على وقع الآليات العسكرية التي اقتحمت "أم ركبة"، محاطة بجنود مدججين بالسلاح، لتنفيذ عملية هدم استهدفت شقته وأربعا أخرى لأشقائه.
5 شقق سكنية، كانت تؤوي أكثر من 25 فردًا من العائلة، هُدمت بالكامل، بذريعة البناء دون ترخيص، لكن الحقيقة كما يرويها إسلام مختلفة: "تعبنا سنين ونحن نجمع قرشا على قرش لنتمكن من بناء الشقق، وتم تقديم كل الأوراق المطلوبة، ومراجعة سلطات الاحتلال مرات كثيرة، ولكن كان الرد الدائم الرفض، لأنهم لا يريدون لأي وجود فلسطيني".
بصوت متحشرج بالمرارة والإصرار، يضيف: "هدموا كل شي، ولكن لن يستطيعوا هدم إرادتنا، سوف نعيد بناء الشقق وتعميرها، حتى لو هدموها مرة أخرى، فهذه أرضنا، ومن حقنا أن نعيش فيها".
ويؤكد أن منطقة "أم ركبة" تُعتبر هدفًا إستراتيجيًا لربط مستعمرة "إفرات" بمستعمرة "النبي دانيال" من جهة، ومن الجهة الأخرى ربطها بموقع برك سليمان الأثري، ما يعني فعليًا تطويق بلدة الخضر وخنق توسعها الجغرافي، وتحويل أراضيها إلى ممرات استعمارية مغلقة في وجه أهلها.
ما جرى مع عائلة الصرفندي ليس حدثًا استثنائيًا، بل هو جزء من نمط متكرر في السياسات الإسرائيلية بالضفة الغربية، حيث تُستخدم الحجج القانونية والإدارية أدوات لهدم الواقع الفلسطيني وتشريد المواطنين.
ولم يكن إسلام وحده من شعر بمرارة فقدان البيت، فالمزارع محمود عبد الله، أحد سكان الخضر الذين يملكون أراضي في منطقة وادي البيار، يواجه تحديًا آخر لا يقل قسوة، فأرضه التي توارثها عن أجداده، وتعود جذورها إلى أكثر من قرن من الزمان، أصبحت اليوم مهددة بالاستيلاء بحجة توسعة طريق ترابي قديم تستخدمه قوات الاحتلال في ربط المستعمرات.
يقول عبد الله: إن منطقة واد البيار من أخصب أراضي بلدة الخضر التي تبلغ مساحتها حوالي 1500 دونم، والتي تنتج حوالي 70% من إجمالي إنتاج البلدة من محصول العنب الذي يقدر بـ10 آلاف طن سنويًا.
وبنبرة حزينة وغاضبة يضيف عبد الله: "بعد حرب الإبادة اشتدت اعتداءات المستعمرين على المزارعين، فأصبح أصحاب الأرض يصلون إليها بصعوبة بالغة، ومعظم الأوقات يُحرمون من الوجود فيها".
من ناحيته، يقول مدير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في بيت لحم يونس عرار، إن التوسع الاستعماري لا يتم فقط عبر إنشاء بؤر جديدة، بل من خلال تغيير الواقع القائم، بتحويل الطرق الزراعية التي استخدمها الفلاحون الفلسطينيون لعقود إلى شوارع استعمارية، وحرمان أصحاب الأرض الأصليين من استخدامها.
وأكد أن منطقة الخضر تواجه ما يزيد على 10 مخططات استعمارية نشطة، من بينها مشاريع لمد طرق وخطوط كهرباء ومياه تخدم المستعمرين فقط.
من ناحيته، يشير رئيس بلدية الخضر أحمد صلاح إلى أن سلطات الاحتلال تعتمد سياسة ممنهجة لخلق بيئة طاردة للفلسطينيين، من خلال رفض التراخيص، ومن ثم تنفيذ الهدم، بهدف توسيع المستعمرات القائمة وربطها ببعضها عبر شبكة طرق وشوارع تخترق أراضي الفلسطينيين.
ويؤكد أن البلدة تخوض معركة مفتوحة مع الاحتلال منذ سنوات، لكنها باتت اليوم في مرحلة غير مسبوقة من الضغط والملاحقة.
ويشدد على أن "ما يجري في أم ركبة ووادي البيار هو نموذج صارخ على نهج الاستعمار الصامت، بالاستيلاء على كل ما يمكن الاستيلاء عليه من أراضٍ، ولكن نحاول مواجهة ذلك بالطرق القانونية ولكن النظام القضائي الإسرائيلي مسيّس بالكامل".
صلاح يوضح أن البلدية تعمل مع مؤسسات حقوقية دولية ومحلية على توثيق الانتهاكات، لكنه يعترف بأن الردع القانوني محدود في ظل غياب إرادة دولية جادة للضغط على الاحتلال. "نحن بحاجة إلى حماية دولية، وليس بيانات، المواطنون يعيشون معاناة مريرة يوميًا، ودون تدخل حقيقي".
ويضيف: المعاناة في الخضر لا تقتصر على السكن والزراعة فقط، بل تمتد لتشمل البنية التحتية، والحركة اليومية للمواطنين، حيث تُقام الحواجز المؤقتة بشكل دوري عند مداخل البلدة، ويتم تعطيل العمل في مشاريع حيوية، ومنع البناء في المناطق المرتفعة بحجة قربها من المستعمرات، ما يترك السكان محاصرين في نطاق جغرافي محدود، وعرضة دائمًا لأي قرار مفاجئ بالهدم أو الإخلاء.
-
و.ك/ر.ح