أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 15/04/2025 08:51 م

شهادات جديدة توثق جريمة إعدام الاحتلال للمسعفين في رفح


غزة 15-4-2025 وفا- محمد دهمان

لم يكن صباح الأحد 23 آذار/ مارس 2025 يومًا عاديًا في محافظة رفح جنوب قطاع غزة. عند الساعة الثالثة والنصف فجرًا، تلقى مركز إسعاف رفح بلاغًا عاجلًا من أحد المواطنين يفيد بتعرض منزل في منطقة "الحشاشين" شمال غرب المدينة لقصف من طائرات الاحتلال الإسرائيلي. وعلى الفور، انطلقت مركبتا إسعاف تابعتان لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لإنقاذ الجرحى. لم يكن يدري المسعفون أن تلك المهمة الإنسانية ستكون الأخيرة لبعضهم.

نداء استغاثة يتحول إلى كمين مميت

نقلت المركبة الأولى ثلاثة شهداء إلى مستشفى ناصر في خان يونس، ثم عادت سريعًا إلى مركزها في خربة العدس. أما المركبة الثانية، ففُقد الاتصال بها. حاول الفريق مرارًا التواصل مع الطاقم، لكن دون جدوى. أُرسلت مركبة ثالثة لاستطلاع الوضع، ليكتشف المسعفون أن زملاءهم قد استُهدفوا بشكل مباشر، ما استدعى إرسال فرق إضافية لإنقاذهم.

وما إن وصلت هذه الفرق حتى وقعت في الفخ ذاته، حيث حاصرتهم قوات الاحتلال وأطلقت النار عليهم بشكل مباشر، رغم أن جميع مركبات الإسعاف كانت تحمل شارات واضحة وأضواء الطوارئ مفعّلة. تحول المكان إلى مسرحٍ لجريمة مكتملة الأركان.

رفعت رضوان… شهادة في الظل

من بين الشهداء، الشاب رفعت أنور رضوان (23 عامًا)، متطوع في الهلال الأحمر منذ ثلاث سنوات. في لحظاته الأخيرة، وثّق بكاميرا هاتفه نداءه الأخير إلى والدته، قائلًا: "سامحيني يا أمي، هذا هو الطريق الذي اخترته، أردتُ مساعدة الناس… أقسم أنني سلكتُ هذا الطريق فقط لمساعدتهم". لم يكن يعلم أن صوته سيبقى شاهدًا على ما حدث.

وُجد جثمان رفعت ورفاقه لاحقًا في مقبرة جماعية، بعضهم كانوا مكبلي الأيدي. مشهد صادم دفع بعشرات المنظمات الإنسانية للمطالبة بتحقيق دولي مستقل في الجريمة.

الناجي الوحيد… صوت من تحت الرماد

منذر عابد، المسعف المتطوع والناجي الوحيد من الكمين، روى ما جرى قائلًا: "فور وصولنا، تعرّضنا لوابل من الرصاص. انبطحت داخل مركبة الإسعاف ولم أعد أسمع شيئًا سوى الشهقات الأخيرة لرفاقي… ثم اقتحم جنود الاحتلال المركبة، قيّدوني، وانهالوا عليّ بالضرب. ضربوني بأعقاب البنادق، سألوني عن اسمي وعنواني ويوم 7 أكتوبر… كلما أجبت، زاد الضرب. تمنيت الموت من شدة التعذيب".

وبعد 15 ساعة من الاستجواب، أُطلق سراحه، ليحمل وحده ذكرى مأساة لن تُنسى.

حسن الحيلة… أب فقد نبض قلبه

من بين الشهداء أيضا محمد حسن الحيلة (23 عامًا)، البكر لوالده ضابط الإسعاف حسن الحيلة. الأب المكلوم تحدث لـ"وفا" والدمع يخنق صوته: "كنت على تواصل مباشر معه… قلت له لا تذهب من الطريق المباشر، لكنه أصر… ثم سمعت صوته للمرة الأخيرة: يابا، إلحقنا… الجيش بيستهدفنا! وانقطع الاتصال".

تسعة أيام مرت والعائلة تتشبث بأمل ضعيف، ظنوا أنه ربما أُسر بسبب ارتدائه زي الإسعاف. لكن الاحتلال، كعادته، خذل حتى الأمل.

وقال حسن عن نجله: "محمد كان طيبًا وحنونًا، فراقه صعب، لكنه استشهد صائمًا، مصليًا الفجر، والمصحف في جيبه. عزاؤنا الوحيد أنه رحل على طُهر".

الانتشال… مهمة لم تكن كغيرها

إبراهيم أبو الكاس، أحد ضباط الإسعاف الذين شاركوا في انتشال الجثامين، تحدث عن لحظات مؤلمة: "توجهنا بتنسيق مع الصليب الأحمر، والأمم المتحدة، وطواقم الإنقاذ. بدأنا البحث بمعدات بسيطة… كلما رفعنا جثمانًا، ظهرت علامة لجثمان آخر، حتى اكتمل المشهد المروع… 15 شهيدًا من الطواقم الإنسانية، دُفنوا بدم بارد".

المؤسسات تتحدث… والعدالة غائبة

رائد النمس، مدير الإعلام في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بقطاع غزة، قال لـ"وفا": "ما جرى من استهداف لطواقمنا الإسعافية في رفح يشكّل انتهاكًا جسيمًا لقواعد القانون الدولي الإنساني التي تُحرّم استهداف مقدمي الخدمات الطبية خلال النزاعات. يجب أن يكون هناك تحرك أممي جاد لوقف هذه الاعتداءات وضمان حرية العمل الإسعافي والصحي دون أي استهداف من قبل جنود الاحتلال".

وفي حديثه لمراسل "وفا"، قال مدير مؤسسة الضمير في غزة علاء السكافي: "تعد حماية العاملين في الإغاثة الإنسانية والطاقم الطبي من المبادئ الجوهرية في القانون الدولي. وتنص اتفاقيات جنيف على أن الطواقم الطبية، من مسعفين وأطباء، وكذلك مركبات الإسعاف، يجب أن تحظى بحماية خاصة. كما أن الهجوم على هذه الطواقم يُعد جريمة حرب بموجب المادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة. والبروتوكول الأول لعام 1977 يشدد على ضرورة التمييز الواضح وتوفير الحماية للعاملين في الدفاع المدني والإغاثة خلال الحروب. وكذلك القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني –القواعد 31، 32 و33– تحظر أي اعتداء على هؤلاء وتُلزم الأطراف بتسهيل عملهم لا إعاقته. أي اعتداء على هؤلاء العاملين يُعد انتهاكًا صارخًا يجب محاكمة مرتكبيه دون تهاون".

المسعف أسعد النصاصرة...معتقل

وبعد أكثر من ثلاثة أسابيع من المجزرة المروعة، أعلنت جمعية الهلال الأحمر، يوم الأحد، أنه تم إبلاغها عن طريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأن المسعف أسعد النصاصرة، معتقل في سجون الاحتلال، حيث كان مصيره مجهولا عقب استهدافه برفقة مسعفي الجمعية في رفح.

وطالبت الجمعية في بيان، المجتمع الدولي بالضغط على سلطات الاحتلال للإفراج الفوري عن المسعف النصاصرة، الذي اختطف قسرا أثناء تأدية مهامه الإنسانية، بعد أن تعرض وزملاءه لإطلاق نار كثيف، أدى الى استشهاد ثمانية منهم في انتهاك خطير للقانون الدولي الإنساني، وهم: مصطفى خفاجة، وعز الدين شعت، وصالح معمر، ورفعت رضوان، ومحمد بهلول، وأشرف أبو لبدة، ومحمد الحيلة، ورائد الشريف، ما يرفع عدد شهداء الجمعية في القطاع إلى 27 شهيدا استهدفهم الاحتلال أثناء تأديتهم لواجبهم الإنساني منذ بدء العدوان في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

المدير التنفيذي لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في غزة، د. حيدر القدرة، شدد على أن الجمعية لن تتوقف عن أداء رسالتها، وقال: "شيّعنا شهداءنا، لكننا باقون. لن نتوقف عن أداء واجبنا تجاه أهلنا. الهلال الأحمر وُجد ليبقى في خدمة الشعب، مهما اشتدت المحن".

ـــــ

/ع.ف

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا