أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 05/08/2025 01:09 م

جنود الاحتلال يصطادون الجوعى كالعصافير شمال غزة

 

غزة 5-8-2025 وفا- سامي أبو سالم

بدأ قاع الشمس يلامس قمة بحر غزة لتلقى بأشعتها الصفراء على آلاف المواطنين العائدين كاشفة عن وجوه شاحبة وعيون ذابلة يملأها اليأس لعودتهم بأيدٍ فارغة بعد انتظار ساعات طوال لشاحنات المساعدات في أشعة الشمس اللاهبة أقصى شمال غرب قطاع غزة قرب الحدود مع قرية "هربيا" المحتلة.

أفواج من آباء وأبناء وأمهات، تغطت ملابس بعضهم بالطحين، آخرون تلطخت بالوحل، أو بدمائهم ودماء زملاء لهم عائدين في انتظار جولة صراع أخرى من أجل سد رمق أطفالهم وسط المجاعة التي تضرب قطاع غزة بسبب الحصار الإسرائيلي الخانق.

ثلاثة شبان مصابون على كارة يجرها حمار بالكاد يستطيع السير، أحدهم أصيب بإطلاق نار في ظهره والثاني في ساقيه اللتين تنزفان دما وقد ربط أصدقاؤه عصابة عليهما في محاولة لوقف النزيف. أما الثالث فقفز عن شاحنة الطحين وداسته الأقدام فأغمي عليه كما قال مرافقوهم.

لم يستطع الحمار الهزيل جر الكارة فأحاط مجموعة من الشبان بالكارة ودفعوها ليساعدوه في الوصول لمستشفى حمد.

آخرون حملوا فتى على طبلية الشحن وهرولوا به في الطريق الوعر إلى المستشفى وهو يصرخ راجيا أن يتواصل أحد مع والده الذي غاص وسط الزحام، لا يعلم ما إذا كان أبوه قد قتل أو نجى. "أبي ذهب ليأتي بالطحين، لا أعلم أين هو."

لم يلتفت العائدون كثيرا لسيارات الإسعاف وعربات "التوكتوك" وكارات تجرها الدواب، التي تنقل مصابين وشهداء، فالمشهد بات "مألوفا".

احمد لبد، (33 عاما)، يحمل كيسا فارغا ويمشي بتثاقل بملابس تلطخت بالطحين، قال إنه أمضى النهار كاملا لكنه لم يستطع الحصول على شيء لأن جنود الاحتلال يفتحون النار فيقتلون ويصيبون ولأن عدد الشاحنات التي تحمل طحينا بالكاد تكفي للحي الذي يعيش فيه فيما عدد المتواجدين عشرات أو مئات الآلاف.

"لم احصل على شيء والأمر جد خطير، ربما أعود ثانية حسب الحاجة فالجوع لا يسكته إلا الطعام ولدينا أطفال والبدائل عند نفدت"، قال لبد.

وأضاف أنه يشعر بحسرة، فبعد أن درس "تخاطب وسمعيات" في جامعة عين شمس بجمهورية مصر العربية وعمل في مؤسسة دولية قبل الحرب والآن يضطر للهاث وراء حفنة طحين.

وقال عبد الرازق المبحوح، (23 عاما)، إنه قضى 11 ساعة في الانتظار لكنه لم يستطع التقاط شيء.

"موت محتم وزحام وارتطم جسم صلب في رأسي لا أعرف ما هو، أغمي علي وساعدني البعض في التنحي جانبا ثم هربت دون أن أحصل على شيء."

وأضاف المبحوح، أنه من المفترض أن يحضر في هذه الآونة لحفل تخرجه من الجامعة، تخصص تكنولوجيا معلومات، لكنه بات مثل المتسولين الآن.

عشرات الآلاف عادوا فارغي اليدين لكن بعضهم آثر ألا يعود إلا محملا، فمنهم من حمل طبلية الشحن الخشبية لبيعها كحطب وغيره جمع الصناديق الكرتونية الفارغة أو بضعة أغصان جافة لاستخدامها كوقيد للطبخ.

ويعاني المواطنون في قطاع غزة من جائحة التجويع بسبب حصار تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ أوائل أيار/ مارس الماضي تمنع فيه دخول الطعام والأدوية ما أدى لوفاة 188 مواطنا جوعا بينهم 94 طفلا وفقا لوزارة الصحة.

وارتفع إجمالي شهداء لقمة العيش إلى 1,516، والإصابات إلى 10,067.

وبدأت قوات الاحتلال، أواخر أيار/ مايو، السماح لشركة غربية مثيرة للجدل بتوزيع صناديق مواد غذائية، بإشراف قوات الاحتلال، في نقاط محددة بقطاع غزة لكنها تطلق النار على منتظري المساعدات فقتلت أكثر من 1500 جائع وأصابت أكثر من 10 آلاف وفقا لمصادر في وزارة الصحة.

وكانت قوات الاحتلال تسمح بدخول معدل 600 شاحنة يوميا مع أنها لم تكن كافية أما اليوم فتسمح بين الفينة والأخرى لمعدل 60 فقط، وفقا لمصادر محلية في غزة.

في مستشفى حمد كان الطفل نضال عزيز، (12 عاما)، بجانب عمه الملقى على متن "توكتوك" بانتظار من يمد يد العون، وأفواج من الجرحى والشهداء يصلون بشكل يفوق طاقة الطاقم الطبي الذي يتضور جوعا.

وقال نضال: إن عمه وقع بين الزحام وتعرض للخنق وداست عجلات الشاحنة عليه.

أما الفتى أيمن السرساوي، فكان يصرخ بسبب "الكهرباء" التي يشعر بها في ذراعه بعد أن أصيب برصاصة من جنود الاحتلال.

وكان أيمن يصرخ وينادي أي شخص لديه هاتف ليخبر أباه بإصابته. "أبي لا يعرف أنني هنا، لن أعود ثانية أبدا."

من المحظوظين كانت امتسال حمام، امرأة أربعينية، كانت تحمل نصف كيس طحين على ظهرها وتمشي بتثاقل.

ألقت الكيس عن ظهرها لتلتقط أنفاسا قبل أن تواصل المسير وقالت لمراسل "وفا" إنها التقط كيسا لما يقارب 20 شخصا من أهلها وأبناء أخويها "ضياء" و"حسام" اللذين قتلهما الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب.

"وأنا بين الناس هال عليّ عدد كبير من الرجال، صارعت للخروج من بينهم ثم حاول رجل انتزاع الكيس لكني مسكت به ورفضت التنازل عنه" قالت امتسال.

أما عمر أبو غزال، (31 عاما)، فحمل بعض الطحين وعلبة معجون البندورة قال إنه انتظر 11 ساعة (منذ التاسعة صباحا) حتى يحصل على نصيبه.

وأشار أبو غزال، الذي خسر 27  كيلوغراما من وزنه، إلى أنه اضطر للوصول هنا بسبب الجوع الذي يضرب غزة وتعاني منه عائلته غير آبه بخطر الموت المحدق بالجميع.

ووجّه نصيحة للمواطنين بعدم التوجه لأماكن توزيع المساعدات لأن جنود الاحتلال يقتلون دون هوادة سواء عبر إطلاق نار من الدبابات أو دُشم المراقبة أو المسيرات.

"جنود الاحتلال يصطادوننا كالعصافير، لا يتعاملون معنا كبشر"، وأشار إلى أنه قبل يومين وصل مع صديقه ثم عاد به محمولا على طبلية الشحن الخشبية ودفنه.

الجحافل لا تزال تعود خائبة دون أن تحمل شيئا، مشترون جوالة ينادون من يرغب في بيع ما استطاع انتشاله، غالبيتهم الساحقة رفضوا البيع.

واشار عمر أبو غزال إلى أنه لن يبيع ما لديه بغض النظر عن الثمن. "أملي معدتي ومعدة اخواني أهم من أن أملأ جيبي، هذا للأكل وليس للبيع". قال أبو غزال.

استمرت حشود "الخائبة" في العودة بصمت ليدخلوا شارع "شارع المخابرات" الذي سحقه جنود الاحتلال، دمار 13 برجا سكنيا ومئات العمارات الفارهة، وخيام نازحين على الجانبين، بعض المواطنين يقطنون ما تبقى من بيوتهم المدمرة أو ينصبون خيام بجانبها وأطفال يلقون حجارة في بقع مجارٍ لينثروا رائحة معتقة بعد أن اشتهر الشارع بالزحام و24 ساعة من الحياة وصالات أفراح ومخابز مطاعم ومحال صناعة الحلويات.

ــــــ

/ م.ل

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا