أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 30/06/2025 01:39 م

أنوار تبحث عن شقيقها المصاب بالتوحد

 

غزة 30-6-2025 وفا- في شوارع مدينة غزة المدمّرة، وبين أزقة الحارات المحطّمة بفعل القصف، تسير أنوار حواس (22 عاماً) كل صباح تحمل بين يديها أوراقًا مطبوعة عليها صورة شقيقها هادي، الفتى المصاب بالتوحّد، والذي فُقد قبل أسابيع، ولم يعد إلى منزله في حي الزيتون.

ليس هادي وحده من اختفى. فأنوار وغيرها من آلاف العائلات، تعيش مأساة مركّبة عنوانها: البحث عن الأحبة في وطن غارق في الدمار، وذلك بحسب تقرير لمراسل أخبار الأمم المتحدة في غزة.

وجاء في التقرير أن أكثر من 11 ألف فلسطيني –أغلبيتهم نساء وأطفال– اختفوا منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، وسط غياب آليات رسمية لتحديد مصيرهم.

"كلّ يوم أبحث عنه... أعلّق صوره وأسأل الناس"

"لا يمرّ يوم دون أن أخرج بحثاً عن أخي"، تقول أنوار بصوت يملؤه الإنهاك، وهي تلصق صورة هادي (17 عاماً) على جدار محل تجاري في حي الرمال. "أطبع صوره، وألصقها على الجدران، وأتنقّل من شارع إلى آخر، من مستشفى إلى آخر، لعلّ أحدهم رآه أو يعرف عنه شيئاً. هو مصاب بالتوحّد ولا يتكلّم. خرج من المنزل قبل ثلاثة أسابيع ولم يعد".

تتنقل أنوار بين المستشفيات والمراكز الطبية المؤقتة، تسأل عمّن رآه، تستنجد بموظفة الاستقبال في مستشفى الهلال الأحمر، تمدّها بورقة تحمل اسمه وصورته وأرقام العائلة، لكن الرد غالباً ما يكون "لم نره". ثم تمضي إلى الحي التالي لتعيد المشهد ذاته، وتُعيد الأمل.

عودة إلى "الوسائل البدائية"

في ظل الانهيار المؤسساتي وانقطاع الإنترنت والاتصالات، اضطر الأهالي إلى العودة إلى الوسائل التقليدية في البحث: توزيع الصور، وطرق أبواب الجيران، والاعتماد على شبكات التواصل العائلية المحدودة.

تقول أنوار: "لا توجد أجهزة أمنية أو جهة رسمية أستطيع اللجوء إليها. كل شيء معطّل، والناس يبحثون عن أحبائهم بأيديهم. أشعر وكأنني في نفق لا نهاية له".

مبادرات فردية.. و"مركز المفقودين" في مواجهة الغياب

في ظل غياب المؤسسات، أطلق الشاب غازي المجدلاوي مبادرة رقمية تُعرف بـ"المركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسرياً"، بهدف توثيق الحالات وتبادل المعلومات بين العائلات.

"أنشأنا منصة لتسجيل المفقودين مع بداية العدوان"، يقول المجدلاوي. "نعتمد على جهود فردية، ومتطوعين، واتصالات محدودة. الاحتلال يمنع دخول أدوات فحص الحمض النووي، وهو ما يصعّب التعرّف إلى الجثث. هناك جثامين بلا هويات، وربما لن نعرف إلى من تعود أبداً".

شهادات تُكشَف وأخرى تغيب

يقول رئيس مجلس إدارة مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان مصطفى إبراهيم: "تابعنا نحو 1,000 حالة فقدان، وكشفنا عن مصير 600، لكن لا يزال مصير 420 شخصاً مجهولاً. بعضهم ربما اختُطف قسراً أو قُتل ودُفن دون أن تُوثّق وفاته".

ويُضيف: "هناك مؤشرات على أن عدداً من المفقودين معتقلون لدى الاحتلال، وآخرين ربما دُفنوا تحت الركام دون أن تُنتشل جثامينهم بعد، بسبب ضعف الإمكانيات وعجز طواقم الإنقاذ".

مصير غامض.. وقصص لا تنتهي

تشير تقارير محلية إلى أن العشرات فُقدوا أثناء محاولتهم الوصول إلى نقاط توزيع المساعدات، فيما يُرجّح أن يكون بعضهم قُتل خلال عمليات قصف، دون أن يُعثر عليهم حتى الآن.

ومع كل يوم يمر، تتلاشى فرص العثور على من فُقدوا. ويزداد الخوف من أن تتحوّل صورهم إلى لوحات تذكارية تُضاف إلى جدران الذاكرة الفلسطينية، من دون أن يُعرف لهم قبر، أو يُمنح لأهلهم وداع.

بالنسبة إلى أنوار، لم تعد تعرف إن كانت تبحث عن حيّ أم شهيد، لكنها ترفض التوقف: "لن أعود إلى البيت من دونه. سأظل أبحث عنه، حتى أجده، أو أعرف أين هو".

ــــــــ

/ ف.ع

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا