بيت لحم 3-6-2025 وفا- وعد الكار
لفظ قاسم الطوس أنفاسه الأخيرة قبل خمسة أشهر وهو ينتظر السماح بمرور المركبة التي تقله نحو المستشفى على الحاجز العسكري المقام في المدخل الوحيد لقريته الجبعة غرب بيت لحم، قرار الجنود كان أسرع من تداعي حالته الصحية، وأقسى من مرضه، بعد رفض السماح له بالخروج لتلقي العلاج.
توفي الرجل الخمسيني على الحاجز وما زالت الحادثة في أذهان أهل القرية تذكرهم بواقع مستمر لا يحتمل.
يقول رئيس مجلس قروي الجبعة، ذياب مشاعلة، إن الاحتلال رفض السماح لقاسم بالخروج لتلقي العلاج، وبعد أن أدرك الجنود على الحاجز أنه قد فارق الحياة، استدعوا سيارة إسعاف في محاولة لإظهار "إنسانيتهم الزائفة"، على حد وصفه. هذه الحادثة، التي وقعت قبل نحو خمسة أشهر، ما زالت محفورة في ذاكرة القرية كدليل صارخ على واقع لا يُحتمل.
الخمسينية منتهى ديريه حالها لا يختلف كثيرا عن المواطن الطوس، خاصة أنها بحاجة لغسيل كلى، وتضطر لقطع مسافات طويلة على طرق وعرة، من أجل الوصول إلى مستشفى بيت جالا الحكومي لتلقي علاجها.
تعيش منتهى في بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم، وتحتاج إلى ثلاث جلسات أسبوعية، إلا أن إغلاق البوابات الحديدية التي تنصبها قوات الاحتلال عند مداخل البلدات، وإجراءات التفتيش المشددة، تجعل طريقها إلى المستشفى رحلة شاقة ومتعبة، لا تقوى على تحملها بعد الخضوع للعلاج.
عشرات المرضى في بلدات الريف الجنوبي والغربي والشرقي لبيت لحم، التي تفتقر قراهم وبلداتهم لمراكز طوارئ طبية عاملة على مدار الساعة، يعانون كثيرا على الطرقات بسبب تضييقات الاحتلال وحواجزه التي تزيد من معاناتهم، حيث الكثير منهم فقد حياته عليها.
في بلدة بيت فجار جنوب المحافظة، تعاني البلدة من إغلاق مدخلها الغربي الرئيسي بشكل كامل منذ بداية الحرب الأخيرة، أما المدخل الشرقي فكان مغلقًا أيضًا منذ بداية الحرب، ولم يُفتح إلا في الأشهر الأخيرة ضمن ساعات محددة.
يقول رئيس بلدية بيت فجار، شريف السويطي، إن هذه الإغلاقات عطّلت الحياة في البلدة، وعرقلت وصول المرضى والطلبة والموظفين إلى وجهاتهم، مشددا على أن الوصول إلى مستشفى بيت جالا، خاصة في الحالات الحرجة، أصبح عبئًا حقيقيًا على المرضى وعائلاتهم.
وفي قرية المنيا شرق بيت لحم، لا يبدو المشهد أقل قتامة، رئيس مجلسها القروي زايد كوازبة وصف الوضع بالكارثي، مشيرًا إلى أن المدخل الغربي الرئيسي مغلق منذ بداية الحرب، كما أغلق الاحتلال المدرسة الثانوية الوحيدة في القرية، والتي تقع على الشارع الالتفافي المؤدي إلى مستعمرات "أفرات" و"أصفر" و"معالي عاموس"، ما اضطر إدارة المدرسة إلى نقل طلابها إلى دوام مسائي في المدرسة الأساسية، رغم ضيق المكان وعدم ملاءمته.
المدخل الجنوبي للقرية أغلقه الاحتلال بالسواتر الترابية، ولم يتبقَ أمام السكان سوى مدخل مكب النفايات، وهو الطريق الوحيد المتاح، لكنه خاضع لحواجز عسكرية طيارة تقيمها قوات الاحتلال بشكل متكرر، ما يعيق حركة المواطنين، خاصة المرضى والطلبة، ويزيد من معاناة مرضى الكلى والسرطان وغيرهم من أصحاب الحالات المزمنة الذين يحتاجون إلى علاج دوري.
وبين مدير صحة بيت لحم، شادي اللحام، أن المحافظة تضم نحو 35 بلدية ومجلسًا قرويًا، وتوجد في كل منها عيادة صحية تتبع وزارة الصحة، وتقدم خدمات الرعاية الأولية.
وأشار إلى أن الطواقم الطبية من سكان تلك المناطق نفسها، وفي حال حدوث طارئ يتم التنسيق مع الهلال الأحمر لفتح العيادات، لكن الحاجة إلى مراكز طوارئ عاملة على مدار الساعة تبقى ملحة.
ولفت اللحام إلى أن الوزارة ستنقل عيادتها في الريف الشرقي إلى مبنى جديد في بلدة تقوع، وهو مجهز بصيدلية ومختبر وتجهيزات للطوارئ، ويمكن استخدامه كمركز طوارئ في حال تصاعد الأحداث. وفي الريف الجنوبي، تعمل الوزارة على تأسيس مركز إسعاف وطوارئ في بلدة بيت فجار لخدمة سكانها والقرى السبع المحيطة بها. وكانت الوزارة قد سلمت بلدية بيت فجار جهاز أشعة بقيمة آلاف الدولارات، ليكون نواة لتأسيس المركز، لكنه ما زال بحاجة إلى غرفة مناسبة لتشغيله.
ويشير اللحام إلى أن التحدي الأكبر في هذه المرحلة هو نقص الكادر البشري، وتقليص العمل من قبل النقابات، ما يؤثر سلبًا على أداء المراكز الصحية، ويؤكد أن الوزارة على تواصل دائم مع الهيئات المحلية، التي تبادر بدورها إلى صيانة العيادات وتطويرها بالتعاون مع الوزارة.
في السياق ذاته، أكدت منظمة "أطباء بلا حدود" في تقرير صدر مؤخرًا أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية وتقييد الحركة تسببا في تقليص حاد في قدرة الفلسطينيين على الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية.
وأشارت إلى أن هذه الممارسات تشكل نمطًا قمعيًا ممنهجًا، وصفته محكمة العدل الدولية بأنه يرقى إلى العزل العنصري.
وأوضح التقرير أن إسرائيل تعيق حركة سيارات الإسعاف، وتطوق المرافق الطبية وتداهمها خلال العمليات، بل وتعرض العاملين في المجال الصحي للعنف الجسدي، ما أدى إلى تدهور الوضع الصحي بشكل أكبر منذ وقف إطلاق النار في غزة، وبين أكتوبر 2023 وديسمبر 2024، سجلت منظمة الصحة العالمية 694 هجومًا على الرعاية الصحية في الضفة الغربية، شملت محاصرة مستشفيات ومراكز طبية، وتدمير مواقع طبية مؤقتة في المخيمات، والاعتداء على الطواقم الطبية.
ووفق شهادات وردت في تقرير "أطباء بلا حدود"، فإن قوات الاحتلال حاصرت مركز معالجة مؤقت في طوباس، وأطلقت النار داخل المبنى وخارجه، ما أدى إلى تلف المعدات الطبية وتضرر المركز، رغم وضوح هويته كمرفق طبي. وأكد أحد مسعفي الهلال الأحمر الفلسطيني أن الاحتلال أغلق مداخل المركز، وأجبر الطواقم على مغادرته.
ولفت التقرير إلى أن تقييد حركة المرضى أدى إلى مضاعفات جسدية ونفسية، لا سيما في المناطق النائية وضواحي المدن، حيث يعجز مرضى الغسيل الكلوي أو مرضى السرطان عن الوصول في المواعيد المقررة، ما يهدد حياتهم.
وطالبت المنظمة إسرائيل، بصفتها السلطة القائمة بالاحتلال، بالالتزام بالقانون الدولي وضمان وصول المرضى للرعاية الصحية، وحماية الطواقم والمرافق الطبية.
ودعت إلى وقف العنف ضد الطواقم الطبية والمرضى، ووقف الهجمات التي تعيق إنقاذ الأرواح.
ـــــــــ
/ م.ل