خان يونس 21-5-2025 وفا- حاتم أبو دقة
"وين بدنا نروح؟" هذا حال النازحين في أنحاء محافظة خان يونس كافة بعد أن طلب الاحتلال منهم عبر مناشير ألقتها طائراته إخلاء منازلهم على الفور والتوجه إلى منطقة المواصي غربا كمنطقة إنسانية آمنة على حد زعمه.
وباتت آلاف الأسر ليلتها في الشوارع بعد أن ضاق بها الحال وتقطعت بها السبل، جراء فقدانها لكل مقومات الحياة، بعد أن استنزفتها الحرب على مدار أكثر من عام ونصف عام، تكررت فيها عمليات النزوح لأكثر من عشر مرات في ظل ارتفاع تكاليف النقل ونقص الوقود بسبب إغلاق المعابر.
وفضل المسن عدنان أبو دقة (69 عاما) من بلدة عبسان الكبيرة شرق محافظة خان يونس البقاء في مركز الإيواء في مدرسة عبسان الابتدائية على الذهاب لمنطقة المواصي في ظل صعوبة المواصلات وارتفاع تكلفة النقل وعدم توفر مكان للإقامة فيه.
وأوضح النازح أبو دقة، أنه نزح أكثر من عشر مرات منذ بدء الحرب فاقت تكلفة النزوح فيها أكثر من 10000 آلاف شيقل ما يعادل 3000 آلاف دولار، ناهيك عن المصاريف اليومية في ظل ارتفاع الأسعار والنقص الحاد في المواد الغذائية، بسبب مواصلة الاحتلال الحصار المفروض على القطاع وإغلاق المعابر بشكل تام.
وأضاف، أنه في ظل الظروف الصعبة وارتفاع الأسعار وعدم توفر السيولة النقدية، يحاول تقليص المصاريف قدر الإمكان، متسائلا في الوقت نفسه: هل يُعقل أن يصل كيلو الدقيق في غزة إلى 100 شيقل ما يعادل 30 دولارا؟.
وأشار أبو دقة إلى أنه كباقي النازحين اضطر إلى طحن المعكرونة والعدس كبديل عن الدقيق، كما أنه أجبر مرغما أولاده وأحفاده على تناول وجبة واحدة في اليوم إلى أن يتوفر الدقيق.
وأكد، أنه عاش عدة حروب منذ ولادته لم يجد ظلما وقساوة للاحتلال في التعامل مع الشعب الفلسطيني بهذا الشكل، واستخدام سياسة التجويع إلى جانب سلاح الإبادة لقتل أكبر عدد ممكن من شعبنا الأعزل.
بدوره، قال النازح عمر أبو طير (56 عاما): إنه اتخذ قرارا بعدم الاستجابة لنداءات جيش الاحتلال الكاذبة التي توهم العالم بأنه لا يستهدف المدنيين، ولكن الحقيقة مخالفة تماما لممارسات قواته على الأرض، حيث قتل مئات الأسر أثناء النزوح وفي المناطق التي يصنفها بأنها آمنة.
وأضاف، أنه لم يغمض لهم جفن هذه الليلة من شدة القصف المتواصل على أنحاء بلدة عبسان الكبيرة.
أما النازح مشهور أبو فرحانة الذي يقيم في مركز إيواء أرض أبو دقة قرب المستشفى الأوروبي، فقد أبدى إصراره مع أسرته المكونة من عشرة أفراد على البقاء في مكانه، بعد أن نزح ثلاث مرات خلال الأسبوع الجاري، إذ كان نازحا في مدرسة عسقلان جنوب بلدة عبسان الكبيرة لمدة عام كامل.
وتابع أبو دقة، أنه أُجبر على إخلائها تحت القصف وتوجه إلى منطقة المواصي، فلم يجد مكانا للإقامة فيها مع أطفاله، الأمر الذي اضطره إلى العودة إليها مرة أخرى وقضاء ليلته فيها، وفي الصباح استأنف الاحتلال قصف المنطقة بقذائفه من جديد ليجبر على ترك المنطقة، والذهاب إلى منطقة الأوروبي مكان نزوحه الثالث بعد خروجه من مدينة خان يونس والإقامة فيها.
وتؤكد مشاهد النزوح المؤلمة في أنحاء القطاع وعدم وجود بقعة آمنة إصرار آلاف الأسر على الموت في أماكن وجودها على النزوح المتكرر.
ووفقا لتقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي الصادر عن الأمم المتحدة، فإن 470 ألف شخص في غزة يواجهون جوعًا كارثيًا "المرحلة الخامسة والأشد من التصنيف" خلال الفترة بين أيار/مايو وأيلول/سبتمبر 2025، بزيادة قدرها 250% على تقديرات التصنيف السابقة.
ويحدد التقرير أن السكان بأكملهم يعانون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، كما يتوقع أن 71 ألف طفل وأكثر من 17 ألف أُم سيحتاجون إلى علاج عاجل لسوء التغذية الحاد. وفي بداية عام 2025، قدرت الوكالات أن 60 ألف طفل سيحتاجون إلى العلاج.
وقالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين: "العائلات في غزة تتضور جوعًا بينما لدى البرنامج ما يكفي من الغذاء على الحدود لإطعام أكثر من مليون شخص لمدة أربعة أشهر، ومع ذلك لا يمكننا إيصاله إليهم بسبب تجدد الصراع والحظر التام للمساعدات الإنسانية المفروض في أوائل آذار/مارس".
وأكدت ماكين ضرورة أن يتحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل لإعادة تدفق المساعدات إلى غزة، مضيفة إذا انتظرنا حتى يتم تأكيد حدوث المجاعة، فسيكون الوقت قد فات بالفعل بالنسبة إلى الكثير من الناس.
بينما قالت المديرة التنفيذية "لليونيسف" كاثرين راسل: "إن خطر المجاعة لا يأتي فجأة، وإنه يتكشف في الأماكن التي يتم فيها منع الوصول إلى الغذاء، حيث يتم تدمير الأنظمة الصحية، ويُترك الأطفال دون الحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة، وإن الجوع وسوء التغذية الحاد بمثابة واقع يومي للأطفال في جميع أنحاء قطاع غزة.
وتابعت راسل، لقد حذرنا مرارًا وتكرارًا من هذا المسار، وقالت، ندعو مرة أخرى جميع الأطراف إلى منع وقوع كارثة.
يشار إلى أنه تم إغلاق المعابر الحدودية مع قطاع غزة منذ بداية مارس الماضي، وهي أطول فترة إغلاق يواجهها المواطنون على الإطلاق، ما تسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق إلى مستويات فلكية، وجعل الغذاء القليل المتاح بعيدا عن متناول معظم المواطنين.
ــ
إ.ر