بيت لحم 19-5-2025 وفا- عنان شحادة
على بعد أربعة كيلومترات شمال غرب بيت لحم وإلى الجنوب الغربي من القدس، تقع قرية الولجة. وخلال النكبة عام 1948، فقد سكان القرية الفلسطينيون الأصليون حوالي 70% من أراضيها لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وأعاد جزء من السكان النازحين بناء منازلهم على أراضي القرية المتبقية ضمن الضفة الغربية المحتلة، على بعد حوالي كيلومترين من القرية الأصلية، بينما نزح آخرون إلى مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية والدول المجاورة.
بعد النكسة عام 1967، تم الاستيلاء على ما يقرب من 50% من الأراضي المتبقية من قرية الولجة من خلال بناء المستعمرتين "جيلو" عام 1971 و"هار جيلو" عام 1972، بالإضافة إلى إقامة جدار الفصل والتوسع العنصري، وشقّ الطريق الاستعماري المؤدي إلى القدس.
وضمن مسلسل الاستهداف المتواصل للقرية وأراضيها، نقل الاحتلال الإسرائيلي، مؤخرا، الحاجز العسكري الذي يفصلها عن القدس إلى عمق القرية، على بعد كيلومترين من موقعه السابق، ليغلق الطريق أمام المزارعين ويحرم المواطنين من الوصول إلى أراضيهم ومصادر رزقهم، في ظل مخططات للاستيلاء على مزيد من الأراضي لصالح التوسع الاستعماري.
ويحول الموقع الجديد دون وصول سكان القرية إلى نحو 1,200 دونم من الأراضي الزراعية، تشمل بساتين زيتون ومراعي ومصاطب زراعية، كانت تشكّل مصدر رزق أساسي لعشرات العائلات؛ وذلك في إطار مساعي الاحتلال إلى ربط مستعمرات بيت لحم بالقدس عبر تفكيك التجمعات الفلسطينية وتحويلها إلى جيوب معزولة.
كما يُمنع الوصول إلى "عين الحنية" الواقعة على الخط الأخضر، والتي كانت وجهة ترفيهية للمواطنين في القرية وزوار من مناطق مختلفة في الضفة الغربية المحتلة.
مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد أريج للأبحاث التطبيقية بالقدس سهيل خليلية، يؤكد لـ"وفا"، أن نقل الاحتلال للحاجز العسكري المقام عند مدخل قرية الولجة إلى عمقها، يأتي ضمن مخططات الاحتلال الاستعمارية في إطار مشروع "القدس الكبرى".
ويوضح أن نقل الحاجز العسكري تم مباشرة من بلدية الاحتلال في القدس، في إشارة إلى أن العمل جارٍ على مشروع أكبر من مجرد حاجز أو موقع أثري، مضيفا أن الاحتلال يعمل على ربط القدس بالمجمع الاستعماري "غوش عتصيون"، حيث تم تأهيل الطريق ووضع أكثر من مشروع استعماري قيد التنفيذ، بداية بمشروع توسيع مستعمرة "هار جيلو"، ثم ربط مستعمرة "ناحيل حيلتس" بالبؤرة الاستعمارية "سيدي بوعز" المقامة عنوة في منطقة "عين القسيس" غرب بلدة الخضر جنوب بيت لحم، التي تم تحويلها لاحقا إلى مستعمرة.
ويشير إلى أن هذه المشاريع الاستعمارية فعليا تشكّل جسرا جغرافيا يربط بين القدس و"غوش عتصيون"، ومن ضمنه سيتم الاستيلاء على "عين الحنية"، مشيرا إلى أن الحاجز يطلق عليه الاحتلال اسم "عين يائيل" نسبة إلى مخطط إقامة مستعمرة تحمل الاسم ذاته على أراضي الولجة.
ويبين خليلية، أن تنفيذ المخطط الاحتلالي سيؤدي إلى الاستيلاء على ما يقرب من 2000- 3000 دونم موجودة خارج منطقة الولجة، سيتم عزلها، مزروعة بأشجار الزيتون، وتقع ما بين جدار الفصل والتوسع العنصري والحاجز العسكري، وهي ضمن حدود الولجة القديمة الأصلية والتي تم تهجير أصحابها في عام 1948.
ويوضح، أن الاحتلال نصب الحاجز قبل عام 2017. وبلدية الاحتلال في القدس وضعت خطة لنقله لإقامة مستعمرة، وفي عام 2017 صادقت حكومة الاحتلال على نقله لمسافة تتراوح ما بين 1.5 إلى 2 كيلومتر، بعدها تم إنشاء مشاريع استعمارية: الأول تغيير مدخل مستعمرة "هار جيلو" من منطقة راس بيت جالا إلى مدخل قرية الولجة، فيما بدأ المشروع الثاني عام 2022 بتوسيع مستعمرة "هار جيلو" من خلال إنشاء أحياء جديدة.
ويؤكد أن هدف الاحتلال من كل ذلك هو الاستيلاء والسيطرة على المزيد من أراضي الولجة ومحاصرة القرية من الجهة الشرقية بالجدار، والجنوبية والغربية بالجدار ومستعمرة "هارجيلو"، وشمالا بالحاجز العسكري، وبالتالي تضييق حدودها وعزلها.
وتم نقل الحاجز أكثر باتجاه الجنوب، وعمل الاحتلال على توسعته ووضع المظلات وكاميرات مراقبة ويافطات، ما يؤكد أن النية هي السيطرة على منطقة "عين الحنية"، بحسب خليلية.
و"عين الحنية" منطقة أثرية وتراثية تحتوي على برك مياه من العهدين البيزنطي والروماني، وأعلنت بلدية الاحتلال قبل عدة سنوات، المنطقة وما يحيطها "حديقة وطنية"، وتم تسجيلها تحت مسمى "وادي رفائين"، وأصبحت تحت إدارة ما تسمى "سلطة الطبيعة" التابعة للاحتلال.
ويؤكد خليلية أن مخطط الاحتلال هو ضم "عين الحنية" باعتبارها منطقة أثرية. ونقل الحاجز العسكري هدفه عزل تلك المنطقة وحرمان المواطنين الفلسطينيين من الوصول إليها للتنزه، وجعلها مفتوحة أمام المستعمرين.
وتفيد جمعية "عير عميم" الحقوقية الإسرائيلية في بيان بأن خطوة الاحتلال بنقل الحاجز العسكري "لا تؤدي فقط إلى خسارة الأراضي، بل تمسّ بالنسيج الثقافي والهوية الجمعية لسكان القرية، عبر تقويض الزراعة التقليدية وأسلوب الحياة القروية، في مقابل إتاحة المجال للإسرائيليين القادمين من القدس لاستغلال هذه الأراضي".
ويقول الباحث في الجمعية، أفيف تتارسكي، إن "نقل الحاجز يُشكّل فصلًا حزينًا جديدًا في مسلسل نزع أهالي الولجة من أراضيهم"، مضيفا أن "الذرائع الأمنية الزائفة تُستخدم غطاءً لسياسة تهدف إلى تهجير الفلسطينيين".
ويشير إلى أن تأجيل تنفيذ الخطوة لأكثر من سبع سنوات، ووجود ثغرات واسعة في جدار الفصل والتوسع العنصري، "يؤكدان أن الهدف ليس الأمن بل السيطرة على الأرض".
ويأتي نقل الحاجز، بحسب الجمعية، في سياق مخططين إضافيين تعمل عليهما سلطات الاحتلال الإسرائيلي، أحدهما إقامة مستعمرة جديدة تُدعى "هار غيلو غرب" على أراضي الولجة، والثاني تحويل أراضٍ زراعية مأهولة إلى "حديقة وطنية"، بالتعاون مع "سلطة الطبيعة والحدائق"، تحت ذريعة توفير "مساحات ترفيهية" لسكان القدس.
وتؤكد محافظة القدس أن الذرائع التي يسوقها الاحتلال بشأن "توفير بيئة ترفيهية لجميع سكان القدس" هي ادعاءات مضللة ومرفوضة، إذ أثبتت التجارب السابقة والحالية أن مثل هذه المنشآت، التي تُقام على أراضٍ فلسطينية محتلة، تكون حكرًا على المستعمرين اليهود ولا يُسمح للفلسطينيين بدخولها أو الاستفادة منها، ما يُعمّق سياسات الفصل العنصري والتمييز العرقي الممنهج بحق السكان الأصليين.
وتشدد في بيان على أن هذه المشاريع تعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن رقم 2334 لعام 2016، الذي يؤكد عدم شرعية الاستيطان في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، ويطالب بوقفه الفوري والكامل.
ــــ
/ع.ف