أهم الاخبار
الرئيسية تقارير وتحقيقات
تاريخ النشر: 14/05/2025 05:58 م

نكبة ثانية في حياة مصطفى أبو عواد

 

طولكرم 14-5-2025- وفا- هدى حبايب

بين أنقاض البيوت المهدمة، وصدى الجرافات التي لا تتوقف عن التدمير، تتجسد نكبة جديدة في مخيمي اللاجئين نور شمس وطولكرم، حيث يعيش المواطنون فصولا تعيد إلى الأذهان مشاهد العام 1948، يوم هجروا من أرضهم وقراهم قسرا.

قبل 77 عامًا، هُجّر نحو 950 ألف فلسطيني من مدنهم وقراهم في فلسطين التاريخية، في واحدة من أقسى عمليات التطهير العرقي التي عرفها القرن العشرين، تركوا خلفهم منازل أغلقوها بمفاتيح لا تزال بحوزتهم، وأوراقا رسمية تثبت ملكيتهم، في انتظار عودة طال أمدها.

والنكبة، الاسم الذي أطلقه الفلسطينيون على ما حل بهم من تهجير قسري جراء احتلال العصابات الصهيونية لمدنهم وقراهم عام 1948، ترافق ذلك مع تدمير مئات القرى وارتكاب المجازر، ما أجبر الأهالي على الهرب من الموت والقتل إلى مخيمات أنشئت فيما ظنوه محطة مؤقتة، وتحولت مع السنين إلى أوطان مؤقتة بلا أفق.

واليوم، في ذكرى النكبة، التي تتكرر فصولها بصورة أكثر عنفا، في مخيمات شمال الضفة مثل نور شمس، حيث باتت آلة العدوان الإسرائيلية تمارس ذات سياسات الاقتلاع والتدمير، لكن هذه المرة داخل بيوت اللاجئين الذين شُرّدوا في النكبة الأولى.

على بعد ثلاثة كيلومترات شرق مدينة طولكرم، يقع مخيم نور شمس، الذي تأسس عام 1951 على يد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ليؤوي لاجئين من 27 قرية من قضاء حيفا، أبرزها صبارين.

في هذا المخيم، يعيش اللاجئ مصطفى محمود عبد الفتاح أبو عواد (89 عاما)، أحد شهود النكبة الذين يحملون في ذاكرتهم مشهد التهجير الأول، ويعايشون اليوم فصول التهجير الثاني.

"ما أراه اليوم لم أشهده حتى في نكبة 1948"، بهذه العبارة يلخص الحاج مصطفى واقع مخيم نور شمس، الذي تحول إلى ساحة حرب مفتوحة.

ويضيف: "كنت طفلا في الثانية عشرة من عمري عندما أُجبرنا على مغادرة قريتنا صبارين في 12 أيار 1948، يومها، خرجنا تحت القصف على أمل العودة بعد شهر أو شهرين، لكننا لم نعد أبدا، أما اليوم، وبعد 77 سنة، أُجبرت من جديد على مغادرة بيتي، وهذه المرة في المخيم الذي ظنناه ملجأً".

يقطن أبو عواد في حارة العيادة داخل المخيم، وهي من أكثر المناطق استهدافا، خلال العدوان الأخير الذي بدأ قبل 95 يوما، تعرض منزله للاقتحام من قبل قوات الاحتلال عبر طائرة التصوير "درون" دخلت غرفة نومه، رفض الاحتلال طلبه بمراعاته لعدم قدرته على الحركة بسبب سنه المتقدم، وأجبره على المغادرة تحت تهديد السلاح.

كانت لحظات الخروج من المخيم مشهدا لا يُنسى، مشبعا بالخوف والوجع، جنود الاحتلال ينتشرون في الحارات، يداهمون المنازل، ويجبرون سكانها على مغادرتها دون السماح لهم بقليل من الوقت لأخذ حاجياتهم الضرورية، يبدأ الناس بالخروج من منازلهم مجبرين، وسط دموع الأمهات، وبكاء الأطفال، وارتباك الرجال وهم يهرعون لحمل كبار السن والمرضى، رسمت صورة حية لنكبة تُعاد.

خرج البعض حفاة، وآخرون تركوا خلفهم الطعام على النار، وثيابا معلقة، ودفاتر مدرسية مفتوحة على الطاولات، لم يكن لدى سكان المخيم الوقت لتوديع منازلهم التي كانت تأويهم لعقود، والجنود يطلقون أوامر التهجير تحت تهديد السلاح.

يقول أبو عواد: "تنقلت من منطقة الى أخرى، ذهبت الى منزل ابني في حارة السلام ثم إلى ضاحية ارتاح، ثم عدت إلى الجهة الغربية من المخيم الى منزل ابني الآخر، والتي تعتبر منطقة خطرة لقربها من ثكنة عسكرية إسرائيلية، لم أستقر منذ ما يقارب 100 يوم، في رحلة نزوح داخلية تشبه ما عشناه عام 48".

في شهادته، يرسم أبو عواد صورة موجعة للتاريخ المتكرر: "في السابق، كنت أحلم بالعودة إلى صبارين، اليوم، كل أمنيتي أن أعود إلى منزلي في المخيم، الذي حرقه الاحتلال ودمر كل ما فيه، هنا عشت، تزوجت، أنجبت، وبنيت حياتي، مخيم نور شمس كان نقطة انطلاقنا نحو العودة، واليوم نتمنى فقط الرجوع إليه".

ويشبه المشهد الحالي في المخيم بـ"الزلزال" ويقول: دمار شامل في أحياء المنشية، العيادة، والمسلخ، ومداهمات متكررة، وتجريف متواصل، المخيمات الثلاثة في شمال الضفة نور شمس، طولكرم، وجنين باتت تعيش نكبة جديدة بكل تفاصيلها: نزوح، تشتيت، دمار، وفقدان.

ويضيف أبو عواد: "نكبة 48 هجرتنا من قرانا، أما نكبة اليوم فتلاحقنا حتى داخل مخيماتنا، المشهد يتكرر أمام أحفادنا، وكأننا نُجبر على عيش نفس المأساة جيلا بعد جيل".

اليوم، لا يملك ابو عواد إلا صوته، وذاكرته التي تنزف ألما، ليحكي للعالم كيف أن النكبة لم تكن لحظة في التاريخ، بل واقعا متجددا ما زال الفلسطينيون يدفعون ثمنه حتى اليوم.

كما كل منزل مهدم، وكل عائلة مكلومة، وكل طفل مهجر من بيته، تتجسد النكبة من جديد، وما كان يروى في القصص عن عام 1948، بات اليوم واقعا معاشا أمام أعين الأجيال الجديدة، التي ترى منازلها تهدم وتنسف، وأحياءها تغلق، وأهلها يطردون من بيوتهم.

ويواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على مدينة طولكرم ومخيمها لليوم الـ108 على التوالي، بينما يستمر لليوم الـ95 على مخيم نور شمس، وسط تصعيد ميداني متزايد، وتعزيزات عسكرية مستمرة.

وأسفر العدوان الإسرائيلي وتصعيده المتواصل على مدينة طولكرم ومخيميها عن استشهاد 13 مواطنا، بينهم طفل وامرأتان إحداهما حامل في الشهر الثامن، بالإضافة إلى إصابة واعتقال العشرات، وإلحاق دمار شامل في البنية التحتية والمنازل والمحال التجارية والمركبات التي تعرضت للهدم الكلي والجزئي والحرق والتخريب والنهب والسرقة. 

كما تسبب العدوان في حركة نزوح قسري لأكثر من 4200 عائلة من مخيمي طولكرم ونور شمس، تضم ما يزيد عن 25 ألف مواطن، وتدمير فاق 400 منزل بشكل كامل، و2573 بشكل جزئي، إضافة إلى إغلاق مداخلهما وأزقتهما بالسواتر الترابية، ما حولهما إلى مناطق معزولة خالية من مظاهر الحياة.

ــــ

هـ.ح/ر.ح

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا